الأحد، 14 يونيو 2009


لم يتوان الأباطرة الرومان في غيهم عن اعتبار الجماهيرمن الشعب( والجمهور باللاتينية تعني ماهو دوني ومن الدرجة الثانية )صاحب احتياجات تنحصر كلها في الخبز واللهو ,ومن هنا كانت نشأة الالعاب الرياضية الدامية في الملاعب وحلبات المصارعة مع الموتفيطرح المحكوم عليهم بالاعدام الى أضراس الحيوانت المفترسة تقضمهم قضما ,وقد كان الشعب شغوفا بتلك الالعاب متلهفا إليها تلهف الجائع للرغيف ولطالما وقعت الجماهير المضللة في حبال المصارعة مع الموت وسحرها منجرفا وراء أهوائه ,وكان ذلك عن جهل وبتحريض من الساسة زعماءوالمحاربين فقد كانوا يمرون أمام قيصرفي طريقهم الى الحرب محيين اياه هاتفين هتافا مرعبا :"لك التحية ياقيصر ممن الى الموت ذاهبون " وفي اروبا فقد كان الناس في عهد ليس ببعيد يعتبرون مناسبة اعدام اح المجرمين شنقا ؛فرصة لهو وابتهاح,فاذا بهم يتقاطعون من كل حدب وصوب صغارا وكبارا, ومعهم زادهم وقوتهم يتوفدون لمشاهدة إعدام احد المساكين شنقا .ولم يوضع احد لمثل تلك الفظائع الا في بداية القرن العشرين ,فاتفق على اعدام المحكومين خفية وعند الفجرساعة يكون الناس في سكينتهم قابعين وفي سباتهم غارقين واذا اضحت الالعاب الرومانية أثر بعد عين والاعدامات علانية امر غابرا (على انه لايزال لحد الآن شائعا في العالم الثالث) فقد تولد عند الناس شعور بالحرمان فازدادوا شوقا الى الاحساس بالهول. فسرعان مابودر الى سد الحاجة فابتدعت الرياضة وجاءت الملاكمة على راس اللائحة ,فما بالك بتلك المجزرة النكراء والمسموح بها والمستبرأة تحظى على تسمية الفن السامي ,ولم يقتصر الامر على الملاكمة,فقد شمل كل الرياضات القتالية وغيرهامن الالعاب المسمات باللطيفةكالكركبي والتزحلق على الجليد و"البازبلول"وهي لا تقل عن سابقاتها بربرية , وقل القول نفسه عن الرياضات الاخرى المسماة باللطيفة جدا وهي لا تخلو في الحقيقة احيانا من العنف مثل كرة القدم وكرة السلة والكرة اليد ,لا يخفي علينا ان الالعاب الرومانية أتت بسبارتاكوس وبانتفاضة الارقاء العبيد ,كما ايضا كل ما أسفرت عنه الملاكمة عنه من أموات ومعوقين على مدى
الحياة ,إننا لا نجهل ذلك .وإن بادت جميع السلطات السياسية الى الحث على ممارسة بعض الرياضات التي حظيت بولع كبيرمن قبل الجماهير فلم يكن ذلك بريئا ,إنه تحريض للشبيبة للاندفاع في هواية نتائجها تعد لا تذكر ,ويتجلى الامر بوضوح في بلدان العالم الثالث اذ أصبحتكرة القدم فيه بمثابة أفيون للشعوب حقا .فأضحت تسليته المفضله تشغل البؤساء عن بؤسهم وانشغالهم عما يثير الوجدان الانساني ,وفي البلدان الاوربية التي تشكو من التردي الاقتصادي ومن من وفاء البطالة التي بلغت فيها حدا قياسيا فقد فسحت كرة القدم في المجال أمام العنف أن يتدفق .وما القول عن أمريكا اللاتيية ؟ فالحالة هناك ولاسباب غنية عن التعريف تفوق غيرها من الاقطار سوءا وخطورة .ولاتسأل عن افريقبيا فالامر أفضع من ان يتصوره العقل .أما عندنا فالامر يختلف عن غيرنا .لقد دخل العنف الكروي عشية أكتوبر .انه عنف غير إجرامي .والجميع يؤثر التنكر الى هذا الواقع او التظاهر بكل صدق عن تنكره ,اذا الشبيبة تلجأ اليوم الى المظاهرة في الملاعب(في هياكل الاحتفالات الخشوعية وتفجير الشهوات )فالشبيبة في الملاعب تعبر عن استيائها وعن الشعور بشقائها لا لشيء الا لانها شبيبة تعبر عن حرمانها وعن تعاستهاولسان حال الشعارات التي ترفع يقول :"لقد تخليتم عنّا وأهملتمونا"إنها صرخة القلب المجروح وان هي دلت على شيء فعلى موقف لا يتسم بلاحرمان أو الفوضوية ؛كلا بل يتسم عن الهيجان العاطفي و يعبر به .والمفارقة الكبرى هي ان كرة القدم فسحت المجال امام الشبيبة للتعبير عن موقف سياسي ,فأضحت الكرة مكان الرفضية السياسية ومكان استعاد النزوح الى السياسة وكان الاستفاقة والتيقظ والافاقة الى المصيبةالتي يتخبط بالمرء الى قلة حظ المرء ,والعائد الى كونه شابا ليس الا ويتم ذلك في أوطاننا فان نحن عزمنا على البحث عن الدواء لهذا فما علينا الا العمل على ايجاد حلول سياسية وإستعادة ثقة الشبيبة بنفسها والنزوح عن ترديد النصائح وتلقين العظات ,بل علينا ان نتجه إليهم بكل صدق مجنديهم في سبيل بناء مشروع يستحوذ على عواطفهم ويستفز هممهم ؛ فتعتبرهم طرفا واعيا وليس انسانا قاصرا لا يفهم الا لغة العنف ,والحديث الصادق يكون سياسيا اولايكون فعلى المسؤولين السياسيين من ذوي المراتب العليا ان يتجهوا الى الشبيبة عارضين عليهم أمور واقعية عاملين على طمأنتهم ,هذا هو باب القصيد ولا تنفع المراوغة حول (الفاف )اذ تعتبرها الشبيبة مكانا للمختلات فلا القرارات تنفع ولا المراسيم ,فشبيبتنا هي بأمس الحاجة الى التعاطف الى عطف يضاهي حجم الفؤاد اتساعا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق